### **المرأة في السلاح: مقاربة بين الطموح الوطني في مصر والضرورة الاستراتيجية في إسرائيل**
في خضم الصراعات المحتدمة التي تعصف بمنطقة
الشرق الأوسط، حيث تتجه الأنظار عادةً إلى خطوط المواجهة الأمامية والعمليات
العسكرية التقليدية، تبرز جبهة أخرى، أكثر هدوءًا ولكنها لا تقل أهمية وتعقيدًا: جبهة
المرأة في المؤسستين العسكريتين المصرية والإسرائيلية. إنها قصة ذات وجهين
متناقضين، تعكس مسارات متباينة في تعريف دور المرأة ضمن منظومة الدفاع الوطني،
وتكشف عن الفجوة العميقة بين الطموح المجتمعي الطوعي والإلزام الاستراتيجي القسري.
فبينما تسعى المرأة المصرية لكسر حواجز اجتماعية وثقافية لنيل ما تعتبره شرف
الخدمة العسكرية، تُدفع نظيرتها الإسرائيلية إلى صفوف الجيش بموجب قانون الدولة،
في واقع يمزج بين التمكين والإكراهات.
![]() |
### **المرأة في السلاح: مقاربة بين الطموح الوطني في مصر والضرورة الاستراتيجية في إسرائيل** |
![]() |
### **المرأة في السلاح: مقاربة بين الطموح الوطني في مصر والضرورة الاستراتيجية في إسرائيل** |
- هذا المقال يحلل الأبعاد المختلفة لدور المرأة في جيشي البلدين
- مستكشفًا الدوافع التاريخية، والجدل المجتمعي والديني
- والواقع
العملي الذي تواجهه النساء في كلتا التجربتين.
#### **التجربة المصرية طموح مؤجل ونقاش مجتمعي عميق**
في مصر، يظل موضوع تجنيد النساء في القوات المسلحة ساحة نقاش حيوية، تعكس توترًا بين رغبات نسوية في المساواة الكاملة وبين اعتبارات مؤسسية ومجتمعية راسخة. تاريخيًا، لم تكن المرأة المصرية غائبة تمامًا عن المشهد العسكري
- فقد ظهر دورها بشكل بارز في أوقات الأزمات، وتحديدًا في حرب عام 1948، حيث اقتصر وجودها
- على الأدوار الطبية والتمريضية. وتُعد **الملازم أول ابتسامات محمد عبد الله**، التي كرمها الملك
- فاروق، رمزًا لهذه المرحلة المبكرة، حيث كانت من أوائل من التحقن بالخدمات الطبية العسكرية لدعم
- المجهود الحربي.
ومع ذلك، لم يتطور هذا الدور إلى تجنيد إلزامي
أو فتح كامل للأبواب القتالية. اليوم، تنقسم الآراء حول هذه القضية إلى ثلاثة
محاور رئيسية:
1. **التيار
الداعم للتجنيد:** تقوده أصوات نسوية وحقوقية، مثل **الدكتورة منال العبسي**،
رئيسة الجمعية العمومية لنساء مصر، التي ترى في حرمان المرأة من شرف ارتداء الزي
العسكري ظلمًا تاريخيًا وتقويضًا لحقها في المشاركة الكاملة في الدفاع عن الوطن. يستند
هذا التيار إلى مبدأ المساواة الذي كفله الدستور المصري في المادة 11، ويرى أن
قدرة المرأة على تحمل المسؤوليات الصعبة لا تقل عن الرجل.
2. **الموقف
الرسمي والمؤسسي:** تتعامل المؤسسة العسكرية مع هذا الملف بحذر شديد. ففي حين أشار
مسؤولون مثل **اللواء دكتور جمال محمود الجزار** إلى الإمكانات الهائلة التي يمكن
للمرأة أن تقدمها في مجالات غير قتالية كالهندسة والطب والكمبيوتر، لا تزال هناك
قناعة سائدة بأن الطبيعة القاسية للحياة العسكرية المصرية، بمتطلباتها البدنية
واللوجستية، تجعل دمج النساء في الوحدات القتالية تحديًا كبيرًا.
3. **الرأي
الديني والقضائي:** لعبت المؤسسات الدينية والقضائية دورًا حاسمًا في تشكيل الوضع
الراهن. ففي عام 2021، صرحت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بأن تجنيد الفتيات "لا
ضرورة له شرعًا"، مؤكدة أن الإسلام كلف المرأة بأدوار عظيمة أخرى كرعاية
الأسرة، وأن مشاركتها العسكرية تقتصر على الحالات الضرورية وفي مجالات محددة لا
تتضمن القتال المباشر، مع ضرورة الفصل بين الجنسين. قضائيًا، تم رفض دعوى عام 2010
تطالب بتجنيد النساء إلزاميًا، حيث استند تقرير هيئة مفوضي الدولة إلى أن "مصلحة
الأسرة المصرية" تقتضي حصر التجنيد الإجباري على الرجال.
على الرغم من هذا الجدل، وجدت المرأة المصرية مسارًا آخر لإثبات جدارتها في القطاع الأمني، وهو **الشرطة المصرية**. لقد أثبتت الشرطة النسائية نجاحًا لافتًا، وتوسع دورها من المهام الإدارية إلى المشاركة الفعالة في مكافحة الجريمة، وتأمين الفعاليات الكبرى، وحتى المشاركة في بعثات حفظ السلام الدولية، مما يثبت أن الكفاءة ليست حكرًا على الرجال، بل إن السياق المؤسسي والثقافي هو الذي يحدد حدود المشاركة.
#### **التجربة الإسرائيلية ضرورة استراتيجية وإكراهات الواقع**
على النقيض تمامًا، تأسست دولة إسرائيل على
عقيدة "جيش الشعب"، حيث يُعتبر التجنيد الإلزامي للجنسين حجر زاوية في
استراتيجيتها الدفاعية منذ عام 1949. جاء هذا القرار، الذي قاده **ديفيد بن غوريون**،
كضرورة ديموغرافية لمواجهة التفوق العددي لجيرانها. اليوم، تشكل النساء حوالي ثلث
قوام الجيش الإسرائيلي، لكن مسار تطور دورهن لم يكن خاليًا من العقبات.
- في العقود الأولى، كان دور المجندات يتركز في الوظائف الإدارية والخدمية والطبية، بعيدًا عن
- خطوط النار. إلا أن تحولًا جذريًا بدأ في التسعينيات، مدفوعًا بنضالات قضائية قادتها نساء طموحات.
- كان **قرار المحكمة العليا عام 1995**، الذي أجبر الجيش على قبول النساء في دورات تدريب
- الطيارين، نقطة فارقة. تبع ذلك "قانون الخدمة الأمنية" عام 2000 الذي فتح الباب أمامهن للانضمام
- إلى وحدات قتالية في أسلحة المدفعية والدفاع الجوي والهندسة
والشرطة العسكرية.
لكن هذا الانفتاح كشف عن تحديات عميقة ومعقدة:
1. **التحرش
الجنسي:** يُعد هذا الملف أحد أكثر الجوانب قتامة في تجربة المجندات الإسرائيليين.
حيث تُسجل مئات الشكاوى سنويًا، تتراوح بين التحرش اللفظي والاعتداء الجسدي، مما
دفع الجيش لإطلاق حملات توعية لم تنجح في القضاء على الظاهرة، وتكشف عن ثقافة
داخلية إشكالية.
2. **المعارضة
الدينية:** يواجه تجنيد النساء، خاصة في الوحدات المختلطة، معارضة شديدة من التيار
الديني المتشدد (الحريديم) وبعض الحاخامات الذين يستندون إلى تفسيرات تلمودية
تحرّم خدمة المرأة في الجيش أو تقصرها على أدوار الدعم اللوجستي فقط.
3. **الضرورة
تفرض التغيير:** مؤخرًا، دفعت الحرب المستمرة في غزة والنقص الحاد في القوى
البشرية الجيش الإسرائيلي إلى خطوة غير مسبوقة: تأسيس أول وحدة قتالية للنساء
المتدينات فقط. هذه الخطوة، التي تهدف إلى استقطاب شريحة كانت معفاة سابقًا من
الخدمة، تظهر كيف أن الضرورة الاستراتيجية يمكن أن تتجاوز المحظورات الدينية
والاجتماعية، لكنها في جوهرها حل أزمة أكثر من كونها خطوة نحو التمكين.
#### **خلاصة تحليلية بين الاختيار والإجبار**
تكشف المقارنة بين التجربتين المصرية
والإسرائيلية عن اختلاف جوهري في الفلسفة والغاية. في مصر، يُنظر إلى الخدمة
العسكرية للمرأة على أنها **حق وطني واختيار شخصي**، يصطدم بتيار محافظ قوي يرى في
حماية المرأة من قسوة الحياة العسكرية أولوية. النقاش مصري-مصري، يدور حول الهوية
والمجتمع والدين.
- أما في إسرائيل، فإن خدمة المرأة هي **واجب للدولة وضرورة استراتيجية**، حيث يتم توظيفها
- كأداة في آلة الحرب لتعويض النقص الديموغرافي. النقاش الداخلي هناك لا يدور حول "هل تخدم
- المرأة؟" بل "كيف وأين تخدم؟"، وتبرز قضايا مثل التحرش والاندماج الديني كأعراض جانبية لهذا
- الإلزام.
الختام
في المحصلة، تظل قصة المرأة والجندية في الشرق الأوسط مرآة تعكس التحولات الاجتماعية والضغوط الأمنية. وبينما يمثل طموح المرأة المصرية سعيًا نحو المواطنة الكاملة، يمثل واقع المجندة الإسرائيلية تجسيدًا لدولة تعيش في حالة تأهب دائم، حيث يتم تذويب الفرد، رجلًا كان أم امرأة، في بوتقة الأمن القومي.
وسيبقى المستقبل كفيلًا بتحديد ما إذا كانت هذه المسارات المتباينة
ستتقارب أم ستزداد تباعدًا.